الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا} جاء هنا التفضيل بين الجنة والنار، لأن هذا مستقرّ وهذا مستقرّ {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} هو مِفعل من النوم في القائلة وإن كانت الجنة لا نوم فيها، ولكن جاء على ما تتعارفه العرب من الاستراحة وقت القائلة في الأمكنة الباردة، وقيل: إن حساب الخلق يكمل في وقت ارتفاع النهار، فيقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار.{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماء بالغمام} هو يوم القيامة وانشقاق السماء: انفطارها ومعنى بالغمام أي يخرج منها الغمام، وهو السحاب الرقيق الأبيض، وحينئذ تنزل الملائكة إلى الأرض.{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ} عض اليدين كناية عن الندم والحسرة، والظالم هنا عقبة بن أبي معيط، وقيل: كل ظالم والظلم هنا الكفر {مَعَ الرسول} هو محمد صلى الله عليه وسلم، أو اسم جنس على العموم {لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلًا} روي أن عقبة جنح إلى الإسلام فنهاه أبيّ بن خلف فهو فلان، وقيل: إن عقبة نهى أبيّ بن خلف عن الإسلام، فالظالم على هذا أبيّ وفلان عقبة، وإن كان الظالم على العموم ففلانًا على العموم أي خليل كل كافر {وَكَانَ الشيطان لِلإِنْسَانِ خَذُولًا} يحتمل أن يكون هذا من قول الظالم، أو ابتداء إخبار من قول الله تعالى، ويحتمل أن يريد الشيطان إبليس أو الخليل المذكور {وَقَالَ الرسول} قيل: إن هذا حكاية قوله صلى الله عليه وسلم في الدنيا، وقيل: في الآخرة {مَهْجُورًا} من الهجر بمعنى البعد والترك وقيل: من الهجر بضم الهاء، أي قالوا فيه الهجر حين قالوا: إنه شعر وسحر والأول أظهر.{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا} العدو هنا جمع، والمراد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم بالتأسي بغيره من الأنبياء {وكفى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} وعد لمحمد صلى الله عليه وسلم بالهدى والنصرى.{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً} هذا من اعتراضات قريش، لأنهم قالوا لو كان القرآن من عند الله لنزل جملة واحدة كما نزلت التوراة والإنجيل {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} هذا جواب لهم تقديره: أنزلناه كذلك مفرقًا لنثبت به فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم لحفظه: ولو نزل جملة واحدة لتعذر عليه حفظه لأنه أمي لا يقرأ، فحفظ المفرق عليه أسهل، وأيضًا فإنه نزل بأسباب مختلفة تقتضي أن ينزل كل جزء منه عند حدوث سببه، وأيضًا من ناسخ ومنسوخ، ولا يتأتى ذلك فيما ينزل جملة واحدة {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} أي فرقناه تفريقًا فإنه نزل بطول عشرين سنة. وهذا الفعل معطوف على الفعل المقدر، الذي يتعلق به {كَذَلِكَ} وبه يتعلق {لِنُثَبِّتَ} {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ} ألآية معناه لا يوردون عليك سؤالًا أو اعتراضًا، إلا أتيناك في جوابه بالحق، والتفسير الحسن الذي يذهب اعتراضهم ويبطل شبهتهم.{الذين يُحْشَرُونَ على وُجُوهِهِمْ} يعني الكفار، وحشرهم على وجوههم حقيقة لأنه جاء في الحديث: قيل يا رسول الله: كيف يحشر الكافر على وجهه؟ قال: «أليس الذي أمشاه في الدنيا على رجليه قادرًا على أن يمشيه في الآخرة على وجهه» {شَرٌّ مَّكَانًا} يحتمل أن يريد بالمكان المنزلة والشرف أوالدار والمسكن في الآخرة.{وَزِيرًا} معينًا {إِلَى القوم} يعني فرعون وقومه، وفي الكلام حذف تقديره: فذهبا إليهم فكذبوهما فدمرناهم.{كَذَّبُواْ الرسل} تأويله كما ذكر في قوله في هود {وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ} [هود: 59] {وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ} يحتمل أن يريد بالظالمين من تقدم ووضع هذا الاسم الظاهر موضع المضمر لقصد وصفهم بالظلم، أو يريد الظالمين على العموم {وَأَصْحَابَ الرس} معنى الرس في اللغة: البئر، واختلف في أصحاب الرس: فقيل هم من بقية ثمود وقيل: من أهل اليمامة، وقيل: من أهل أنطاكية، وهم أصحاب يس، واختلف في قصتهم فقيل بعث الله إليهم نبيًا فرموه في بئر فأهلكهم الله، وقيل: كانوا حول بئر لهم فانهارت بهم فهلكوا {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} يقتضي التكثير والإبهام، والإشارة بذلك إلى المذكور وقبل من الأمم.{ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال} أي بينًا له {تَبَّرْنَا} أي أهلكنا {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى القرية} الضمير في أتوا لقريش وغيرهم من الكفار، والقرية قرية قوم لوط، ومطر السوء الحجارة ثم سألهم على رؤيتهم لها؛ لأنها في طريقهم إلى الشام، ثم أخبر أن سبب عدم اعتبارهم بها كفرهم بالنشور. و{يَرْجُونَ} كقوله: {يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} [الفرقان: 21]، وقد ذكر {أهذا الذي} حكاية قولهم على وجه الاستهزاء، فالجملة في موضع مفعول لقول محذوف يدل عليه هذا، وقوله: {إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا} استئناف جملة أخرى وتم كلامهم، واستأنف كلام الله تعالى في قوله: {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} الآية على وجه التهديد لهم {اتخذ إلهه هَوَاهُ} أي أطاع هواه حتى صار كأنه له إله {بَلْ هُمْ أَضَلُّ} لأن الأنعام ليس لها عقول، وهؤلاء لهم عقول ضيعوها، ولأن الأنعام تطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها، وهؤلاء يتركون أنفع الأشياء وهو الثواب، ولا يخافون أضرّ الأشياء وهو العقاب.{أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ} أي إلى صنع ربك وقدرته {مَدَّ الظل} قيل: مدّة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لأن الظل حينئذ على الأرض كلها، واعترضه ابن عطية لأن ذلك الوقت من الليل، ولا يقال ظل بالليل، واختار أن مدّ الظل من الإسفار إلى طلوع الشمس وبعد مغيبها بيسير، وقيل: معنى مد الظل؛ أي جعله يمتدّ وينبسط {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} أي ثابتًا غير زائل لكنه جعله يزول بالشمس، وقيل: معنى ساكن غير منبسط على الأرض، بل يلتصق بأصل الحائط والشجرة ونحوها {ثُمَّ جَعَلْنَا الشمس عَلَيْهِ دَلِيلًا} قيل: معناه أن الناس يستدلون بالشمس وبأحوالها، في سيرها على الظل متى يتسع ومتى ينقبض، ومتى يزول عن مكان. إلى آخر، فيبنون على ذلك انتفاعهم به وجلوسهم فيه، وقيل: معناه لولا الشمس لم يعرف أن الظل شيء، لأن الأشياء لم تعرف إلا بأضدادها.{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} قبضه نسخه وأزالته بالشمس؛ ومعنى يسيرًا شيئًا بعد شيء لا دفعة واحدة، فإن قيل: ما معنى ثم في هذه المواضع الثلاثة؟ فالجواب أنه يحتمل أن تكون للترتيب في الزمان أي جعل ألله هذه الأحوال حالًا بعد حال، أو تكون لبيان التفاضل بين هذه الأحوال الثلاثة: وأن الثاني أعظم من الأول، والثالث أعظم من الثاني.{الليل لِبَاسًا} شبَّه ظلام الليل باللباس، لأنه يستر كل شيء كاللباس {والنوم سُبَاتًا} قيل: راحة وقيل موتًا لقوله: {يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مَوْتِهَا والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] ويدل عليه مقابلته بالنشور {الرياح بُشْرَى} ذكر في [الأعراف: 57] {مَاءً طَهُورًا} مبالغة في طاهر وقيل: معناه مطهر للناس في الوضوء وغيره. وبهذا المعنى يقول الفقهاء: ماء طهورًا، أي مطهرًا، وكل مطهر طاهر، وليس كل طاهر مطهر {وَأَنَاسِيَّ} قيل: جمع إنسي، وقيل جمع إنسان، والأول أصح.{وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ} الضمير للقرآن، وقيل: للمطر وهو بعيد {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا} أي لو شئنا لخففنا عنك أثقال الرسالة ببعث جماعة من الرسل، ولكنا خصصناك بها كرامة لك فاصبر {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} الضمير للقرآن أو لما دل عليه الكلام المتقدم. اهـ.
.قال الخازن: قوله تعالى: {وقال الذين لا يرجون لقاءنا} أي يخافون البعث والرجاء، بمعنى الخوف لغة تهامة {لولا أنزل علينا الملائكة} فتخبرنا أن محمدًا صادق {أو نرى ربنا} فيخبرنا بذلك {لقد استكبروا} أي تعظموا {في أنفسهم} بهذه المقالة {وعتوا عتوًا كبيرًا} أي طغوا وقيل عتوًا في القول وهو أشد الكفر والفحش وعتوهم، طلبهم رؤية الله حتى يؤمنوا به.قوله تعالى: {يوم يرون الملائكة} أي عند الموت وقيل يوم القيامة {لا بشرى يومئذٍ للمجرمين} وذلك أن الملائكة يبشرون المؤمنين، يوم القيامة ويقولون للكفار: لا بشرى لكم وقيل: لا بشارة لهم بالجنة كما بشر المؤمن {ويقولون حجرًا محجورًا} قال ابن عباس تقول الملائكة حرامًا محرمًا أن يدخل الجنة، إلا من قال لا إله الله محمد رسول الله، وقيل: إذا خرج الكفار من قبورهم تقول لهم الملائكة حرامًا محرمًا عليكم أن تكون لكم البشرى وقيل هذا قول: الكفار للملائكة وذلك أن العرب كانت إذا نزلت بهم شدة ورأوا ما يكرهون قالوا حجرًا محجورًا فهم يقولون ذلك إذا عاينوا الملائكة.قوله: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل} يعني من أعمال البر التي عملوها في حال الكفر {فجعلناه هباء منثورًا} أي باطلًا لا ثواب له لأنهم لم يعملوه لله ومنه الحديث الصحيح «كل عمل ليس عليه أمرنا، فهو رد» والهباء هو ما يرى في الكوة كالغبار، إذا وقعت الشمس فيها فلا يمس بالأيدي، ولا يرى في الظل والمنثور المفرق قال ابن عباس هو ما تسقيه الرياح، وتذريه من التراب كحطام الشجر وقيل هو ما يسطع من حوافر الدواب عند السير من الغبار.قوله تعالى: {أصحاب الجنة يومئذٍ} أي يوم القيامة {خير مستقرًا} أي من هؤلاء المشركين المستكبرين {وأحسن مقيلًا} أي موضع القائلة، وذلك أن أهل الجنة لا يمر بهم يوم القيامة إلا قدر من أول النهار إلى وقت القائلة حتى يسكنوا مساكنهم في الجنة قال ابن مسعود لا يتنصف النهار يوم القيامة حتى يقبل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار والقيلولة الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن مع ذلك نوم لأن الله تعالى قال: {وأحسن مقيلًا} والجنة لا نوم فيها قال ابن عباس الحساب في ذلك اليوم في أوله، ويروى أن يوم القيامة يقصر على المؤمنين حتى يكون، كما بين العصر إلى غروب الشمس.قوله تعالى: {يوم تشقق السماء بالغمام} أي عن تشقق الغمام وهو غمام أبيض مثل الضبابة، ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم {ونزل الملائكة تنزيلًا} قال ابن عباس تشقق السماء الدنيا فينزل أهلها، وهم أكثر ممن في الأرض من الإنس والجن ثم تتشقق السماء الثانية فينزل أهلها وهم أكثر ممن في السماء الدنيا ومن الجن والإنس ثم كذلك حتى تتشق السماء السابعة وأهل كل سماء يزيدون على أهل السماء التي تليها ثم تنزل الكروبيون ثم حملة العرش {الملك يومئذٍ الحق للرحمن} أي الملك الذي هو الملك حقًا ملك الرحمن يوم القيامة، قال ابن عباس: يريد أن يوم القيامة لا ملك يقضي غيره {وكان يومًا على الكافرين عسيرًا} أي شديد وفيه دليل على أنه لا يكون على المؤمنين عسيرًا وجاء في الحديث «أنه يهون يوم القيامة على المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا».قوله تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه} أراد بالظالم عقبة بن أبي معيط، وذلك أنه كان لا يقدم من سفر، إلا صنع طعامًا ودعا إليه أشراف قومه وكان يكثر مجالسة النبيّ صلى الله عليه وسلم فقدم ذات يوم من سفر، فصنع طعامًا ودعا الناس إليه ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرب الطعام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنا بآكل طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله، وإني رسول الله» فقال عقبة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. فأكل رسول الله صلى الله علي وسلم من طعامه. وكان عقبة صديقًا لأبيّ بن خلف، فلما أخبر أبيّ بن خلف، قال له: يا عقبة صبأت، قال لا والله ما صبأت ولكن دخل علي رجل فأبى أن يأكل طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي، ولم يطعم فشهدت له فطعم، فقال: ما أنا بالذي أرضى عنك أبدًا إلا أن تأتيه فتبزق في وجهه، ففعل ذلك عقبة فقال، لا أراك خارجًا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف، فقتل عقبة يوم بدر صبرًا وأما أبيّ بن خلف فقتله النبيّ صلى الله عليه وسلم بيده يوم أُحد.وقيل لما بزق عقبة في وجه النبيّ صلى الله عليه وسلم عاد بزاقه في وجهه، فاحترق خداه فكان أثر ذلك في وجهه، حتى قتل وقيل كان عقبة بن أبي معيط خليل أمية بن خلف، فأسلم عقبة فقال له أمية: وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمدًا فكفر وارتد، فأنزل الله فيه {ويوم يعض الظالم} يعني عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، على يديه، أي ندمًا وأسفًا على ما فرط في جنب الله، وأوبق نفسه بالمعصية والكفر لطاعة خليله الذي صده عن سبيل ربه، قال عطاء: يأكل يديه حتى مرفقيه ثم ينبتان، ثم يأكلهما هكذا كلما نبتت يده أكلها على ما فعل، تحسرًا وندامة {يقول يا ليتني اتخذت} أي في الدنيا {مع الرسول سبيلًا} أي ليتني اتبعت محمدًا صلى الله عليه وسلم واتخذت معه طريقًا إلى الهداية {يا ويلتى} دعا على نفسه بالويل {ليتني لم أتخذ فلانًا خليلًا} قيل يعني أبي بن خلف {لقد أضلني عن الذكر} أي عن الإيمان والقرآن {بعد إذ جاءني} يعني الذكر مع الرسول صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: {وكان الشيطان} وهو كل متمرد عات صد عن سبيل الله من الجن والإنس {للإنسان خذولًا} أي كثير الخذلان يتركه ويتبرأ منه عند نزول البلاء والعذاب به وحكم الآية عام في كل خليلين، ومتحابين اجتمعا على معصية الله، ق عن أبي موسى الأشعري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك أما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبًا ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» أخرجه أبو داود والترمذي.
|